سورة الملك - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الملك)


        


{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)}
{وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ} خطاب عام للمكلفين كما في قوله تعالى أولًا {ليبلوكم} [الملك: 2] عطف على مقدر قال في الكشف أصل الكلام وللذين كفروا منكم أيها المكلفون المبتلون وللذين يخشون منكم فقطع هذا الثاني جوابًا عن السؤال الذي يقطر من بيان حال الكافرين مع أن ذكرهم بالعرض وهو ماذا حال من أحسن عملًا ومن خرج ممحصًا عند الابتلاء فأجيب بقوله تعالى: {إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ} [الملك: 12] إلخ فأثبت لهم كمال العلم {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28] وكمال التقوى لقوله تعالى بالغيب وفي هذا القطع ترشيح للمعنى المرموز إليه في قوله تعالى: {أيكم أحسن عملًا} [الملك: 2] أي ليبلوكم أيكم المتقي تخصيصًا لهم بأنهم المقصودون ولو عطف لدل على التساوي ثم قيل فاتقوه في السر والعلن ودوموا أنتم أيها الخاشعون على خشيتكم وأنيبوا إلى الخشية والتقوى أيها المغترون واعتقدوا استواء إسراركم وجهركم في علم ربكم فكونوا على حذر واخشوه حق الخشية فقوله تعالى ذلك عطف على هذا المضمر وجوز أن يجعل قوله تعالى: {إِنَّ الذين} إلخ استطرادًا عقيب ذكر الكفار وجزائهم وقوله سبحانه وأسروا أو اجهروا على سبيل الالتفات إلى {أصحاب السعير} [الملك: 11] لبعد العهد وزيادة الاختصاص عطفًا على قوله تعالى: {وللذين كفروا} [الملك: 6] كأنه قيل وللكافرين بربهم عذاب جهنم ثم قيل من صفتها كيت وكيت وإسراركم بالقول وجهركم به أيها الكافرون سيان فلا تفوتوننا جهرتم بالكفر والبغضاء أو أبطنتموهما فهو من تتمة الوعيد ثم قال والأول املأ بالقبول انتهى ويظهر لي بعد الأول ويؤيد الثاني ما روي عن ابن عباس أنه قال نزلت وأسروا إلخ في المشركين كانوا ينالون من النبي صلى الله عليه وسلم فيوحى إليه عليه الصلاة والسلام فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم كيلا يسمع رب محمد فقيل لهم أسروا ذلك أو اجهروا به فإن الله تعالى يعلمه وتقديم السر على الجهر للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر والمبالغة في شمول علمه عز وجل المحيط بجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يجهرون به مع كونهما في الحقيقة على السوية أو لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر إذ ما من شيء يجهر به إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب غالبًا فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية وقوله تعالى: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} تعليل لما قبله وتقرير له وفي صيغة الفعيل وتحلية الصدور بلام الاستغراق ووصف الضمائر بصاحبتها من الجزالة ما لا يخفى كأنه قيل أنه عز وجل مبالغ في الإحاطة ضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكنة في صدورهم بحيث لا تكاد تفارقها أصلًا فكيف لا يعلم ما تسرونه وتجهرون به ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التي في الصدور والمعنى أنه تعالى عليم بالقلوب وأحوالها فلا يخفى عليه سر من أسرارها وقوله تعالى:


{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}
{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} إنكار ونفي لعدم إحاطة علمه جل شأنه ومن فاعل يعلم أي ألا يعلم السر والجهر من أوجد وجب حكمته جميع الأشياء التي هما من جملتها وقوله تعالى: {وَهُوَ اللطيف الخبير} حال من فاعل يعلم مؤكدة للإنكار والنفي أي ألا يعلم ذلك والحال أنه تعالى المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن وقيل حال من فاعل خلق والأول أظهر وقدر مفعول يعلم بما سمعت ولم يجعل الفعل من باب يعطي ويمنع لمكان هذه الحال على ما قيل إذ لو قلت ألا يكون عالمًا من هو خالق وهو اللطيف الخبير لم يكن معنى صحيحًا لاعتماد ألا يعلم على الحال والشيء لا يوقت بنفسه فلا يقال ألا يعلم وهو عالم ولكن ألا يعلم كذا وهو عالم كل شيء وأورد عليه أن اللطيف هو العالم بالخفيات فيكون المعنى ألا يكون عالمًا وهو عالم بالخفيات وهو مستقيم وأجيب بأن لا يعلم من ذلك الباب وهو على ما قرره السكاكي مستغرق في المقام الخطابي واللطيف الخبير من يوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن فهما سواء في الاستغراق والإطلاق وتعقب بأن الاستغراق غير لازم كما ذكره الزمخشري في قوله تعالى: {ولما ورد ماء مدين} [القصص: 23] الآية ولو سلم فالوجه مختلف لأن العموم المستفاد من الثاني ليس العموم المستفاد من الأول فإن اللطف للعلم بالخفايا خاصة ويلزم العلم بالجلايا من طريق الدلالة ثم إن الغزالي اعتبر في مفهوم اللطيف مع العلم بخفايا الأمور سلوك سبيل الرفق في إيصال ما يصلحها فلا يتكرر مع الخبير بناءً على أنه العالم بالخفايا أيضًا والوجه في الحاجة إلى التقدير كما قال بعض الأئمة أن قوله تعالى ألا يعلم تذييل بعد التعليل بقوله سبحانه: {إنه عليم بذات الصدور} [الملك: 13] فربط المعنى أن يقال ألا يعلم هذا الخفي أعني قولكم المسر به أو ألا يعلم سركم وجهركم من يعلم دقائق الخفايا وجلائلها جملها وتفاصيلها ولو قيل ألا يكون عالمًا بليغ العلم من هو كذا لم يرتبط ولكان فيه عي وقصور وجوز كون من مفعول خلق واستظهره أبو حيان أي ألا يعلم مخلوقه وهذه حاله ورجح الأول بأن فيه إقامة الظاهر مقام الضمير الراجع إلى الرب وهو أدل على المحذوف أعني السر والجهر وتعميم المخلوق المتناول لهما تناولًا أوليًا ولهذا قدروا من خلق الأشياء دلالة على أن حذف المفعول للتعميم.


{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}
{هُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ الارض ذَلُولًا} غير صعبة يسهل جدًا عليكم السلوك فيها فهو فعول للمبالغة في الذل من ذل بالضم ويكسر ضد الصعوبة ويستعمل المضموم فيما يقابل العز كما يقتضيه كلام القاموس وقال ابن عطية الذلول فعول عنى مفعول أي مذلولة كركوب وحلوب انتهى وتعقب بأن فعله قاصر وإنما يعدى بالهمزة أو التضعيف فلا يكون عنى المفعول واستظهر أن مذلولة خطأ وقال بعضهم يقولون للدابة إذا كانت منقادة غير صعبة ذلول من الذل بالكسر وهو سهولة الانقياد في الكلام استعارة وقيل تشبيه بليغ وتقديم لكم على مفعولي الجعل مع أن حقه التأخر عنهما للاهتمام بما قدم والتشويق إلى ما أخر فإن ما حقه التقديم إذا أخر لا سيما عند كون المقدم مما يدل على كون المؤخر من منافع المخاطبين تبقى النفس مترقبة لوروده فيتمكن لديها عند ذكره فضل تمكن والفاء في قوله تعالى: {فامشوا فِى مَنَاكِبِهَا} لترتيب الأمر على الجعل المذكور وزعم بعضهم أنها فصيحة والمراد ناكبها على ما روي عن ابن عباس وقتادة وغيرهما جبالها وقال الحسن طرقها وفجاجها وأصل المنكب مجتمع ما بين العضد والكتف واستعماله فيما ذكر على سبيل الاستعارة التصريحية التحقيقية وهي قرينة المكنية في الأرض حيث شبهت بالبعير كما ذكره الخفاجي ثم قال فإن قلت كيف تكون مكنية وقد ذكر طرفها الآخر في قوله تعالى: {ذَلُولًا} قلت هو بتقدير أرضًا ذلولا فالمذكور جنس الأرض المطلق والمشبه هو الفرد الخارجي وهو غير مذكور فيجوز كون ذلولًا استعارة والمكنية حينئذٍ هي مدلول الضمير لا المصرح بها في «النظم الكريم» والمانع من الاستعارة ذكر المشبه بعينه لا بما يصدق عليه فتأمل ولا تغفل وفي الكشاف المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل ومجاوزته الغاية لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه لم يترك بقية من التذليل والمراد أنه ليس هنا أمر بالمشي حقيقة وإنما القصد به إلى جعله مثلًا لفرط التذليل سواء كانت المناكب مفسرة بالجبال أو غيرها وسواء كان ما قبل استعارة أو تشبيهًا {وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ} انتفعوا بما أنعم جل شأنه وكثيرًا ما يعبر عن وجوه الانتفاع بالأكل لأنه الأهم الأعم وفي أنوار التنزيل أي التمسوا من نعم الله سبحانه وتعالى على أن الأكل مجاز عن الالتماس من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم قيل وهو المناسب لقوله تعالى امشوا وجوز بعض إبقاءه على ظاهره على أن ذلك من قبيل الاكتفاء وليس بذاك واستدل بالآية على ندب التسبب والكسب وفي الحديث أن الله تعالى يحب العبد المؤمن المحترف وهذا لا ينافي التوكل بل أخرج الحكيم الترمذي عن معاوية بن قرة قال مر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بقوم فقال: من أنتم فقالوا: المتوكلون قال: أنتم المتأكلون إنما المتوكل رجل ألقى حبه في بطن الأرض وتوكل على ربه عز وجل وتمام الكلام في هذا الفصل في محله والمشهور أن الأمر في الموضعين للإباحة وجوز كونه لمطلق الطلب لأن من المشي وما عطف عليه ما هو واجب كما لا يخفى {وَإِلَيْهِ النشور} أي المرجع بعد البعث لا إلى غيره عز وجل فبالغوا في شكر نعمه التي منها تذليل الأرض وتمكينكم منها وبث الرزق فيها ومما يقضي منه العجب جواز عود ضمير رزقه على الأرض باعتبار أنها مبدأ أو عنصر من العناصر أو ذلول وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث والإضافة لأدنى ملابسة أي من الرزق الذي خلق عليها وكذا ضمير إليه أي وإلى الأرض نشوركم ورجوعكم فتخرجون من بيوتكم وقصوركم إلى قبوركم وجملة إليه النشور قيل عطف على الصلة بعد ملاحظة ما ترتب عليها وقيل حال مقدرة من ضمير المخاطبين المرفوع فتدبر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8